أولها : تصدير الآية الكريمة بنداء للبعيد وفي ذلك فضل مبين ، وبأن النداء للذين آمنوا ، وفي هذا إشعار بأن الأذى في الصدقات ليس من صفات أهل الإيمان ، إنما هو من صفات أهل الصلف والكبرياء والذين يمنون على الله وعلى الناس إن فعلوا الخير ، وليست الكبرياء والاستطالة بفضل العطاء من صفات المؤمنين .
وثانيها : أنه صرح سبحانه بأن المن يبطل الصدقة ، ولا يجعل لها ثوابا عند الله ، ولا شكرا من الناس ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - : " إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر " وتلا قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى .
وثالثها : أنه سبحانه وتعالى جعل المنفق مع المن والأذى كالمنفق رئاء الناس ، والمنفق للرياء والسمعة مشرك شركا خفيا ; ولذا وصف سبحانه وتعالى الذي ينفق ماله رئاء الناس ، بأنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، فأفعاله كقلبه ليست أفعال المؤمنين ، وقلبه ليس قلب مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر ; وإذا كان المنفق الذي يتبع صدقته بالمن والأذى مثله ، فإن إبطال الصدقات أقل ما يناله .
[ ص: 980 ] ولماذا شدد سبحانه في النهي عن المن والأذى ، وكرر ذلك في ثلاث آيات متواليات ، وأكثر من التشبيه لتقبيح المن والأذى في الصدقة ؟
الجواب عن ذلك : أن المن والأذى في الإنفاق ينشأ عن استطالة الغني بفضل غناه ، والمباهاة بثروته وقدرته ، وإنه لا شيء يرمض نفس الفقير إلا إحساسه باستعلاء الغني بسبب الغنى ، وصغار الفقير بسبب الفقر ، وإن ذلك يدفع بلا شك إلى تفكيك الروابط ، وقطع ما أمر الله به أن يوصل ، فإن الفقراء لا يتألمون لذات الفقر إنما يتألمون من مرارته باعتزاز الغني عليهم ، وإشعارهم بذل الحاجة ، وعندئذ تتمرد النفوس ، وتتعرض الأمم للخراب ، وتذهب الوحدة الجامعة .
إن الغنى والفقر أمران لا يخلو الوجود منهما ، ولا يمكن أن تخلو أمة من غني وفقير ، ما دامت القوى متفاوتة ، والفرص لا تواتي الجميع بقدر واحد ، والأقدار لا تسعف الجميع في زمن واحد ، وما دامت تلك حقيقة مقررة ، فعمل الشرائع هو تخفيف ويلات الفقر ، ومنع استطالة الغني ، ولقد قال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ( إن الله امتحن بعض عباده بالفقر ، وأمرهم بالصبر ، وامتحن الأغنياء بالمال ، وأمرهم بالعطاء ) .
ولقد شبه سبحانه وتعالى المن والأذى بالرياء في الصدقة كما أشرنا فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر وفي هذا التشبيه إشارة إلى أن الذي ينفق ماله رئاء الناس ، أي لأجل الرياء والسمعة ، وأن يقول الناس : إنه سخي جواد ، أو لتملق ذي جاه - أسوأ حالا عند الله من ذي المن والأذى ، لأن المشبه به أقوى دائما من المشبه . ولقد ذكر سبحانه حال المرائي بنفقته على أنه أمر مقرر سوءه ، وليس في حاجة إلى بيان ، لأنه لا اشتباه في بطلان ما أنفق ، إذ إنه ما قصد الخير حتى يبطل قصده ، فالفرق بينه وبين الأول أن الأول قصد الخير واحتسبه ، ولكنه أفسد عمله بما خالطه به من من وأذى ; أما الثاني وهو المرائي فلم يقصد خيرا قط ، حتى يبطله سواه ، فشبه سبحانه حال قاصد الخير المنان في إبطال عمله ، بحال من لم يقصد خيرا قط ، بل الرياء والسمعة ، وهو من فعل الشرك [ ص: 981 ] الخفي ، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من صلى يرائي فقد أشرك ، ومن صام يرائي فقد أشرك ، ومن تصدق يرائي فقد أشرك " .
ولهذا الفارق الجوهري بين المنفق المنان ، والمنفق رئاء الناس ، ذكر الله عمل الأول بأنه صدقة ، فقال سبحانه : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ولم يصف عمل الثاني بأنه صدقة ، ولا في سبيل الله ، ولذا قال سبحانه : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264كالذي ينفق ماله رئاء الناس فما الصدقة ابتغاها ولا الخير أراده ، بل الشر كل الشر ما عمله .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا هذا تشبيه جديد ، وقبل أن نذكر التشبيه ووجه الشبه نذكر معنى هذه الألفاظ : صفوان ، وصلد ، ووابل : فالصفوان اسم جنس جمعي لصفوانة ، كشجر وشجرة ، وهو الحجر الأملس . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش : إن صفوان مفرد كحجر . والصلد معناه الأجرد النقي ; وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي فيه : إنه من صلد يصلد صلدا ، وهو ما لا ينبت شيئا ، وقد قال النقاش : الأصلد الأجرد الذي لا ينبت شيئا . والوابل هو المطر الشديد ، وقد وبلت السماء تبل ، والأرض موبولة .
والآن نذكر المشبه به في الآية الكريمة ; ويبدو بادي الرأي ، أن التشبيه بين الذي ينفق ماله للرياء والحجر الصفوان الأملس الذي يكون على ظاهره قليل من التراب الذي يبدو به خصبا ، ووجه الشبه هو ظاهر الخصب الذي يبدو على ظاهر الحجر ، ثم انكشافه بمطر وابل ، وظهور حقيقته ، وهو أنه لا يمكن أن يكون منبتا ; فالمعنى أن حال من ينفق للرياء والظهور بمظهر البر المعطي وهو لا يقصد وجه الله تعالى ولا يبتغي رضاه بل ينفق ليرائي الناس ، هي كحال حجر أملس لا ينتج شيئا ولا ينبت نباتا ولكن عليه ظاهر من التراب يوهم الناظر إليه أنه خصب منتج ، ثم تتبين حاله بمطر يزيل ما ستره ويكشف حاله ، فالمرائي لا إنتاج لعمله مطلقا كالحجر ، وإن كان يبدو للناس برا فإن ذلك لا يلبث أن ينكشف ، وتظهر حاله بأمر [ ص: 982 ] لم يكن في حسبانه ، فثوب الرياء يشف دائما عما تحته ، وإن لم يكشفه فإن الله كاشفه .
هذا الكلام يدل على أن التشبيه منعقد بين المرائي والحجر الأملس الذي عليه قدر رقيق من التراب ستر حاله ; ولكن كثيرين يجعلون التشبيه بين المنفق المنان والحجر الصلد ، ويكون المعنى على ذلك أن حال المنان في نفقته التي يبطلها بالمن والأذى ، كحال الحجر الأملس الذي عليه تراب كان يرجى أن يكون منتجا منبتا للزرع فيصيبه وابل يزيل التراب الذي عليه ، فيزول سبب إنتاجه ، ومادة الخصب فيه ; فالمن والأذى في إبطالهما الصدقات التي من شأنها أن تأتي بالثواب ورضا رب العالمين ، كالوابل الذي يزيل الصعيد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه ، من حيثما كان من شأنه أن ينتج الثواب ، فأزال ذلك بمنه وأذاه .
وإني أرجح الأول ، لأن التشبيه بلفظ المفرد ، وهو يناسب الذي ينفق ماله رئاء الناس ; لأنه بلفظ المفرد ، والمنفق منا وأذى ذكر بلفظ الجمع ، فالضمير في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264فمثله أولى بأن يعود على المرائي لإفرادهما ، ولأن الآيات التالية تبين حال المنفق ابتغاء مرضاة الله ، وفيها تشبيه صدقتهم بالحبة التي تكون في أرض خصبة ، وإن هذه مقابلة ظاهرة بين المنفق رياء ، والمنفق ابتغاء مرضاة الله ، فكان الأظهر إذن أن يكون التشبيه في هذه الآية بين الإنفاق رياء والحجر الأملس .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264لا يقدرون على شيء مما كسبوا جمهور المفسرين على أن هذه الجملة السامية للدلالة على أن المنان والمرائي كلاهما لا ثواب له ، فالمعنى لا يقدرون ، أي لا ينالون شيئا من المال الذي أرادوا بإنفاقه كسب الثواب ، ولكن كيف يعبر عن نيل الثواب بالقدرة عليه ، وعن الإنفاق بالكسب ؟ وقد يجاب عن ذلك بأنهم إذا أنفقوا فقد صاروا قادرين على الثواب ، وعلى كسبه بمقتضى ما وعد الله به عباده المتقين ، فإذا منوا وآذوا في نفقته ، فقد انتفت عنهم تلك القدرة على ثواب هذا الذي أنفقوا وقد كان من شأنه أن يكون كسبا لهم .
[ ص: 983 ] وإني أرى أن يكون المعنى أن المنفقين الذين يتبعون ما أنفقوا منا وأذى ، والذين يراءون ليس عندهم قدرة على شيء من المال الذي كسبوه ، إنما القدرة من الله العلي القدير ، فما كان لهم أن يمنوا ولا أن يؤذوا في سبيل ذلك الإنفاق ، ولا أن يراءوا به ، فالمال مال الله ، وهو الذي بقدرته مكنهم منه ، وسلطهم عليه ، فعليهم أن يتقوا الله فيه ، ويشكروا نعمة المنعم به ، ولا يراءوا في إعطائهم ، وإلا كانوا بالنعمة كافرين .
وعلى ذلك تكون هذه الجملة لتقوية المعنى في الإنفاق ، والتحريض على الإخلاص لله في النفقة بحيث تكون خالية من المن والأذى والرياء .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264والله لا يهدي القوم الكافرين ختم سبحانه وتعالى الآيات بهذه الجملة الحكيمة للإشارة إلى أن nindex.php?page=treesubj&link=23515_23468الإنفاق من غير من ولا أذى هو من خواص الإيمان ، فالله سبحانه وتعالى يهدي إليه المؤمنين ولا يهدي إليه الكافرين ، وللإشارة إلى أن المن والأذى والرياء إنما هي صفات الكافرين فيجب أن يقلع عنها أهل الإيمان ، فهي صفات لا تليق بهم ، ولا ينبغي أن يكونوا عليها ; لأن فيها كفرا للنعمة التي أنعم الله بها ، nindex.php?page=treesubj&link=28675_18691والصدقة رياء وسمعة فيها شرك خفي فيجب على المؤمن أن يطهر نفسه من هذه الأهواء المردية ، وليضبط نفسه إذا أعطى ، فلا ينطق لسانه بالمن ، ولينق قلبه من الرياء فإنه يأكل الحسنة فيجعلها سيئة .
وفي الجملة إشارة إلى أن الله غني عن عطاء المنان المؤذي أو المرائي ، إن أعطوا لنفع عام أو لدفع أذى الكافرين ، فإن الله سيتولى الكافرين ، وهو لا يهديهم إلى سبيل الانتصار على المؤمنين الصادقين في إيمانهم ; لأنهم أولياء الله الذين قال فيهم : nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
* * *
nindex.php?page=treesubj&link=18690_18697_19881_23477_23515_28270_28902_30515_30539_30563_30564_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ هَذَا نَهْيٌ صَرِيحٌ وَاضِحٌ عَنِ الْمَنِّ وَالْأَذَى ، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا النَّهْيُ الْحَاسِمُ أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=23515_18697الصَّدَقَاتِ يُبْطِلُهَا الْمَنُّ وَالْأَذَى ، فَلَا يَكُونُ لَهَا أَجْرٌ مِنَ اللَّهِ ، وَلَا يَكُونُ لَهَا شُكْرٌ مِمَّنْ أَسْدَى إِلَيْهِ ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ النَّفْعِ الْعَامِّ ، أَمْ كَانَ لِبَعْضِ آحَادِ الْأُمَّةِ بِسَدِّ الْخَلَّةِ ، وَدَفْعِ الْحَاجَةِ ; وَقَدْ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ النَّهْيَ عَنِ الْمَنِّ وَالْأَذَى بِثَلَاثَةِ تَوْكِيدَاتٍ :أَوَّلُهَا : تَصْدِيرُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِنِدَاءٍ لِلْبَعِيدِ وَفِي ذَلِكَ فَضْلٌ مُبِينٌ ، وَبِأَنَّ النِّدَاءَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ، وَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْأَذَى فِي الصَّدَقَاتِ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الصَّلَفِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالَّذِينَ يَمُنُّونَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى النَّاسِ إِنْ فَعَلُوا الْخَيْرَ ، وَلَيْسَتِ الْكِبْرِيَاءُ وَالِاسْتِطَالَةُ بِفَضْلِ الْعَطَاءِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ صَرَّحَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الصَّدَقَةَ ، وَلَا يَجْعَلُ لَهَا ثَوَابًا عِنْدَ اللَّهِ ، وَلَا شُكْرًا مِنَ النَّاسِ ، وَلِذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِيَّاكُمْ وَالِامْتِنَانَ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الشُّكْرَ وَيَمْحَقُ الْأَجْرَ " وَتَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْمُنْفِقَ مَعَ الْمَنِّ وَالْأَذَى كَالْمُنْفِقِ رِئَاءَ النَّاسِ ، وَالْمُنْفِقُ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ مُشْرِكٌ شِرْكًا خَفِيًّا ; وَلِذَا وَصَفَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ، بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَأَفْعَالُهُ كَقَلْبِهِ لَيْسَتْ أَفْعَالَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَلْبُهُ لَيْسَ قَلْبَ مُؤْمِنٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ; وَإِذَا كَانَ الْمُنْفِقُ الَّذِي يُتْبِعُ صَدَقَتَهُ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى مِثْلَهُ ، فَإِنَّ إِبْطَالَ الصَّدَقَاتِ أَقَلُّ مَا يَنَالُهُ .
[ ص: 980 ] وَلِمَاذَا شَدَّدَ سُبْحَانَهُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمَنِّ وَالْأَذَى ، وَكَرَّرَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ ، وَأَكْثَرَ مِنَ التَّشْبِيهِ لِتَقْبِيحِ الْمَنِّ وَالْأَذَى فِي الصَّدَقَةِ ؟
الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ : أَنَّ الْمَنَّ وَالْأَذَى فِي الْإِنْفَاقِ يَنْشَأُ عَنِ اسْتِطَالَةِ الْغَنِيِّ بِفَضْلِ غِنَاهُ ، وَالْمُبَاهَاةِ بِثَرْوَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ، وَإِنَّهُ لَا شَيْءَ يَرْمُضُ نَفْسَ الْفَقِيرِ إِلَّا إِحْسَاسُهُ بِاسْتِعْلَاءِ الْغَنِيِّ بِسَبَبِ الْغِنَى ، وَصَغَارُ الْفَقِيرِ بِسَبَبِ الْفَقْرِ ، وَإِنَّ ذَلِكَ يَدْفَعُ بِلَا شَكٍّ إِلَى تَفْكِيكِ الرَّوَابِطِ ، وَقَطْعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ، فَإِنَّ الْفُقَرَاءَ لَا يَتَأَلَّمُونَ لِذَاتِ الْفَقْرِ إِنَّمَا يَتَأَلَّمُونَ مِنْ مَرَارَتِهِ بِاعْتِزَازِ الْغَنِيِّ عَلَيْهِمْ ، وَإِشْعَارِهِمْ بِذُلِّ الْحَاجَةِ ، وَعِنْدَئِذٍ تَتَمَرَّدُ النُّفُوسُ ، وَتَتَعَرَّضُ الْأُمَمُ لِلْخَرَابِ ، وَتَذْهَبُ الْوَحْدَةُ الْجَامِعَةُ .
إِنَّ الْغِنَى وَالْفَقْرَ أَمْرَانِ لَا يَخْلُو الْوُجُودُ مِنْهُمَا ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَخْلُوَ أُمَّةٌ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ ، مَا دَامَتِ الْقُوَى مُتَفَاوِتَةً ، وَالْفُرَصُ لَا تُوَاتِي الْجَمِيعَ بِقَدْرٍ وَاحِدٍ ، وَالْأَقْدَارُ لَا تُسْعِفُ الْجَمِيعَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ ، وَمَا دَامَتْ تِلْكَ حَقِيقَةً مُقَرَّرَةً ، فَعَمَلُ الشَّرَائِعِ هُوَ تَخْفِيفُ وَيْلَاتِ الْفَقْرِ ، وَمَنْعُ اسْتِطَالَةِ الْغَنِيِّ ، وَلَقَدْ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( إِنَّ اللَّهَ امْتَحَنَ بَعْضَ عِبَادِهِ بِالْفَقْرِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ ، وَامْتَحَنَ الْأَغْنِيَاءَ بِالْمَالِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْعَطَاءِ ) .
وَلَقَدْ شَبَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَنَّ وَالْأَذَى بِالرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ كَمَا أَشَرْنَا فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَفِي هَذَا التَّشْبِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ، أَيْ لِأَجْلِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ، وَأَنْ يَقُولَ النَّاسُ : إِنَّهُ سَخِيٌّ جَوَادٌ ، أَوْ لِتَمَلُّقِ ذِي جَاهٍ - أَسْوَأُ حَالًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ ذِي الْمَنِّ وَالْأَذَى ، لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ أَقْوَى دَائِمًا مِنَ الْمُشَبَّهِ . وَلَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ حَالَ الْمُرَائِي بِنَفَقَتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ سُوءُهُ ، وَلَيْسَ فِي حَاجَةٍ إِلَى بَيَانٍ ، لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ فِي بُطْلَانِ مَا أَنْفَقَ ، إِذْ إِنَّهُ مَا قَصَدَ الْخَيْرَ حَتَّى يَبْطُلَ قَصْدُهُ ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَوَّلَ قَصَدَ الْخَيْرَ وَاحْتَسَبَهُ ، وَلَكِنَّهُ أَفْسَدَ عَمَلَهُ بِمَا خَالَطَهُ بِهِ مِنْ مَنٍّ وَأَذًى ; أَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْمُرَائِي فَلَمْ يَقْصِدْ خَيْرًا قَطُّ ، حَتَّى يُبْطِلَهُ سِوَاهُ ، فَشَبَّهَ سُبْحَانَهُ حَالَ قَاصِدِ الْخَيْرِ الْمَنَّانِ فِي إِبْطَالِ عَمَلِهِ ، بِحَالِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ خَيْرًا قَطُّ ، بَلِ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ ، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الشِّرْكِ [ ص: 981 ] الْخَفِيِّ ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ " .
وَلِهَذَا الْفَارِقِ الْجَوْهَرِيِّ بَيْنَ الْمُنْفِقِ الْمَنَّانِ ، وَالْمُنْفِقِ رِئَاءَ النَّاسِ ، ذَكَرَ اللَّهُ عَمَلَ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ صَدَقَةٌ ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى وَلَمْ يَصِفْ عَمَلَ الثَّانِي بِأَنَّهُ صَدَقَةٌ ، وَلَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ فَمَا الصَّدَقَةُ ابْتَغَاهَا وَلَا الْخَيْرُ أَرَادَهُ ، بَلِ الشَّرُّ كُلُّ الشَّرِّ مَا عَمِلَهُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا هَذَا تَشْبِيهٌ جَدِيدٌ ، وَقَبْلَ أَنْ نَذْكُرَ التَّشْبِيهَ وَوَجْهَ الشَّبَهِ نَذْكُرُ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ : صَفْوَانٌ ، وَصَلْدٌ ، وَوَابِلٌ : فَالصَّفْوَانُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ لِصَفْوَانَةٍ ، كَشَجَرٍ وَشَجَرَةٍ ، وَهُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ . وَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=13674الْأَخْفَشُ : إِنَّ صَفْوَانَ مُفْرِدٌ كَحَجَرٍ . وَالصَّلْدُ مَعْنَاهُ الْأَجْرَدُ النَّقِيُّ ; وَقَدْ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ فِيهِ : إِنَّهُ مَنْ صَلِدَ يَصْلَدُ صَلَدًا ، وَهُوَ مَا لَا يُنْبِتُ شَيْئًا ، وَقَدْ قَالَ النَّقَّاشُ : الْأَصْلَدُ الْأَجْرَدُ الَّذِي لَا يُنْبِتُ شَيْئًا . وَالْوَابِلُ هُوَ الْمَطَرُ الشَّدِيدُ ، وَقَدْ وَبَلَتِ السَّمَاءُ تَبِلُ ، وَالْأَرْضُ مَوْبُولَةٌ .
وَالْآنَ نَذْكُرُ الْمُشَبَّهَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ; وَيَبْدُو بَادِيَ الرَّأْيِ ، أَنَّ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ لِلرِّيَاءِ وَالْحَجَرِ الصَّفْوَانِ الْأَمْلَسِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهِ قَلِيلٌ مِنَ التُّرَابِ الَّذِي يَبْدُو بِهِ خِصْبًا ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ ظَاهِرُ الْخِصْبِ الَّذِي يَبْدُو عَلَى ظَاهِرِ الْحَجَرِ ، ثُمَّ انْكِشَافُهُ بِمَطَرٍ وَابِلٍ ، وَظُهُورُ حَقِيقَتِهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُنْبِتًا ; فَالْمَعْنَى أَنَّ حَالَ مَنْ يُنْفِقُ لِلرِّيَاءِ وَالظُّهُورِ بِمَظْهَرِ الْبَرِّ الْمُعْطِي وَهُوَ لَا يَقْصِدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَبْتَغِي رِضَاهُ بَلْ يُنْفِقُ لِيُرَائِيَ النَّاسَ ، هِيَ كَحَالِ حَجَرٍ أَمْلَسَ لَا يُنْتِجُ شَيْئًا وَلَا يُنْبِتُ نَبَاتًا وَلَكِنْ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ مِنَ التُّرَابِ يُوهِمُ النَّاظِرَ إِلَيْهِ أَنَّهُ خِصْبٌ مُنْتِجٌ ، ثُمَّ تَتَبَيَّنُ حَالُهُ بِمَطَرٍ يُزِيلُ مَا سَتَرَهُ وَيَكْشِفُ حَالَهُ ، فَالْمُرَائِي لَا إِنْتَاجَ لِعَمَلِهِ مُطْلَقًا كَالْحَجَرِ ، وَإِنْ كَانَ يَبْدُو لِلنَّاسِ بَرًّا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَنْكَشِفَ ، وَتَظْهَرُ حَالُهُ بِأَمْرٍ [ ص: 982 ] لَمْ يَكُنْ فِي حُسْبَانِهِ ، فَثَوْبُ الرِّيَاءِ يَشُفُّ دَائِمًا عَمَّا تَحْتَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكْشِفْهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَاشِفُهُ .
هَذَا الْكَلَامُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ مُنْعَقِدٌ بَيْنَ الْمُرَائِي وَالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ الَّذِي عَلَيْهِ قَدْرٌ رَقِيقٌ مِنَ التُّرَابِ سَتَرَ حَالَهُ ; وَلَكِنَّ كَثِيرِينَ يَجْعَلُونَ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الْمُنْفِقِ الْمَنَّانِ وَالْحَجَرِ الصَّلْدِ ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حَالَ الْمَنَّانِ فِي نَفَقَتِهِ الَّتِي يُبْطِلُهَا بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ، كَحَالِ الْحَجَرِ الْأَمْلَسِ الَّذِي عَلَيْهِ تُرَابٌ كَانَ يُرْجَى أَنْ يَكُونَ مُنْتِجًا مُنْبِتًا لِلزَّرْعِ فَيُصِيبُهُ وَابِلٌ يُزِيلُ التُّرَابَ الَّذِي عَلَيْهِ ، فَيَزُولُ سَبَبُ إِنْتَاجِهِ ، وَمَادَّةَ الْخِصْبِ فِيهِ ; فَالْمَنُّ وَالْأَذَى فِي إِبْطَالِهِمَا الصَّدَقَاتِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَأْتِيَ بِالثَّوَابِ وَرِضَا رَبِّ الْعَالَمِينَ ، كَالْوَابِلِ الَّذِي يُزِيلُ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ الَّذِي يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ، مِنْ حَيْثُمَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَنْتُجَ الثَّوَابُ ، فَأَزَالَ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَأَذَاهُ .
وَإِنِّي أُرَجِّحُ الْأَوَّلَ ، لِأَنَّ التَّشْبِيهَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ ، وَهُوَ يُنَاسَبُ الَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ; لِأَنَّهُ بِلَفْظِ الْمُفْرَدُ ، وَالْمُنْفِقُ مَنًّا وَأَذًى ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264فَمَثَلُهُ أَوْلَى بِأَنْ يَعُودَ عَلَى الْمُرَائِي لِإِفْرَادِهِمَا ، وَلِأَنَّ الْآيَاتِ التَّالِيَةَ تُبَيِّنُ حَالَ الْمُنْفِقِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ، وَفِيهَا تَشْبِيهُ صَدَقَتِهِمْ بِالْحَبَّةِ الَّتِي تَكُونُ فِي أَرْضٍ خِصْبَةٍ ، وَإِنَّ هَذِهِ مُقَابَلَةٌ ظَاهِرَةٌ بَيْنَ الْمُنْفِقِ رِيَاءً ، وَالْمُنْفِقِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ، فَكَانَ الْأَظْهَرُ إِذَنْ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ الْإِنْفَاقِ رِيَاءً وَالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ السَّامِيَةَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْمَنَّانَ وَالْمُرَائِيَ كِلَاهُمَا لَا ثَوَابَ لَهُ ، فَالْمَعْنَى لَا يَقْدِرُونَ ، أَيْ لَا يَنَالُونَ شَيْئًا مِنَ الْمَالِ الَّذِي أَرَادُوا بِإِنْفَاقِهِ كَسْبَ الثَّوَابِ ، وَلَكِنْ كَيْفَ يُعَبَّرُ عَنْ نَيْلِ الثَّوَابِ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، وَعَنِ الْإِنْفَاقِ بِالْكَسْبِ ؟ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ إِذَا أَنْفَقُوا فَقَدْ صَارُوا قَادِرِينَ عَلَى الثَّوَابِ ، وَعَلَى كَسْبِهِ بِمُقْتَضَى مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ الْمُتَّقِينَ ، فَإِذَا مَنُّوا وَآذَوْا فِي نَفَقَتِهِ ، فَقَدِ انْتَفَتْ عَنْهُمْ تِلْكَ الْقُدْرَةُ عَلَى ثَوَابِ هَذَا الَّذِي أَنْفَقُوا وَقَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهُمْ .
[ ص: 983 ] وَإِنِّي أَرَى أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُنْفِقِينَ الَّذِينَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَأَذًى ، وَالَّذِينَ يُرَاءُونَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ الَّذِي كَسَبُوهُ ، إِنَّمَا الْقُدْرَةُ مِنَ اللَّهِ الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ ، فَمَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمُنُّوا وَلَا أَنْ يُؤْذُوا فِي سَبِيلِ ذَلِكَ الْإِنْفَاقِ ، وَلَا أَنْ يُرَاءُوا بِهِ ، فَالْمَالُ مَالُ اللَّهِ ، وَهُوَ الَّذِي بِقُدْرَتِهِ مَكَّنَهُمْ مِنْهُ ، وَسَلَّطَهُمْ عَلَيْهِ ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ فِيهِ ، وَيَشْكُرُوا نِعْمَةَ الْمُنْعِمِ بِهِ ، وَلَا يُرَاءُوا فِي إِعْطَائِهِمْ ، وَإِلَّا كَانُوا بِالنِّعْمَةِ كَافِرِينَ .
وَعَلَى ذَلِكَ تَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِتَقْوِيَةِ الْمَعْنَى فِي الْإِنْفَاقِ ، وَالتَّحْرِيضِ عَلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ فِي النَّفَقَةِ بِحَيْثُ تَكُونُ خَالِيَةً مِنَ الْمَنِّ وَالْأَذَى وَالرِّيَاءِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ خَتَمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْآيَاتِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْحَكِيمَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=23515_23468الْإِنْفَاقَ مِنْ غَيْرِ مَنٍّ وَلَا أَذًى هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْإِيمَانِ ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَهْدِي إِلَيْهِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَهْدِي إِلَيْهِ الْكَافِرِينَ ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْمَنَّ وَالْأَذَى وَالرِّيَاءَ إِنَّمَا هِيَ صِفَاتُ الْكَافِرِينَ فَيَجِبُ أَنْ يُقْلِعَ عَنْهَا أَهْلُ الْإِيمَانِ ، فَهِيَ صِفَاتٌ لَا تَلِيقُ بِهِمْ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا عَلَيْهَا ; لِأَنَّ فِيهَا كُفْرًا لِلنِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا ، nindex.php?page=treesubj&link=28675_18691وَالصَّدَقَةُ رِيَاءً وَسُمْعَةً فِيهَا شِرْكٌ خَفِيٌّ فَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُطَهِّرَ نَفْسَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ الْمُرْدِيَةِ ، وَلْيَضْبُطْ نَفْسَهُ إِذَا أَعْطَى ، فَلَا يَنْطِقُ لِسَانُهُ بِالْمَنِّ ، وَلْيَنِقِّ قَلْبَهُ مِنَ الرِّيَاءِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْحَسَنَةَ فَيَجْعَلُهَا سَيِّئَةً .
وَفِي الْجُمْلَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ عَطَاءِ الْمَنَّانِ الْمُؤْذِي أَوِ الْمُرَائِي ، إِنْ أَعْطَوْا لِنَفْعٍ عَامٍّ أَوْ لِدَفْعِ أَذَى الْكَافِرِينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَتَوَلَّى الْكَافِرِينَ ، وَهُوَ لَا يَهْدِيهِمْ إِلَى سَبِيلِ الِانْتِصَارِ عَلَى الْمُؤْمِنَيْنِ الصَّادِقِينَ فِي إِيمَانِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ : nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=62أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
* * *
التالي السابق عناوين الشجرةتفسير الآيةتخريج الحديثترجمة العلم