وأستطيع أن أرى خطأ هذا القانون من واقع الحياة, فليس كل ما يريده المرء يدركه, وبلفظ الشاعر أحمد شوقي: وما نيل المطالب بالتمني
وإذا كان الأمر كما تدّعي الكاتبة, فلماذا مازال الناس يموتون جوعاً كل يوم بمعدل 100000 شخص يومياً, إما بشكل مباشر أو غير مباشر؟ إذا كان قانون الجذب صحيحاً فلماذا لم يحصلوا على الطعام؟! أليس ذلك هو أكثر ما يتمنونه ويركزون تفكيرهم عليه؟!
وهناك وجه أخر لهذه المغالطة, جلبها لنا من الغرب شيوخ التنمية البشرية, وأخص بالذكر منهم "مصطفى حسني", الذي أحل الله محل الذبذبات الكونية في قانون الجذب, وروّج لها, ويمكننا الرد عليها بنفس الحجة الأولى, لماذا هناك من يموتون من الجوع كل يوم؟!في الأغلب يكون الرد, أن هذه هي حكمة الله. ولاحظ هنا أنه بهذا الرد قد تخلّى عن قانون الجذب.فإذا كانت حكمه الله أن يموت من الجوع وهي عكس ما يريده ذلك البائس من طعام وماء تحت ثقل غرائزه وآلامه,فلماذا لا تكون نهايتك أنت أيضا عكس ما كنت تتمناه بقانون الجذب, فتقضي حكمة الله بخسرانك لحبيبك, وظيفتك, أموالك, صحتك, أو حتى أن تموت حرقاً على الخازوق؟.
ولا أظن أن مروج قانون الجذب سيكتفي بهذا القدر من الجدال, وغالباً ما سيقوم بصياغة حجته التالية هكذا:ربما أن هؤلاء الموتى, لم يفكروا في الطعام بالقدر الكافي, وإنما كانوا يفكرون في الجوع, وفي الموت الذي ينتظرهم, فهم ضحايا تفكيرهم السلبي.
ولكن هناك أمثلة أخرى جانب التفكير السلبي فيها غير مؤثر إطلاقاً, كالأمثلة التي أوردها فرانسيس جالتون, وهي كالتالي: إذا كان ما تتمنونه يتحقق, وهناك عشرات الملايين حول العالم يتمنون بشغاف قلبهم أن يحفظ الله ملوك بريطانيا, فلماذا لم يخلدوا أو على الأقل عاشوا بعض آلاف من السنين؟! لماذا لم يستطيعوا أن يعيشوا من الزمن سوى كباقي الطبقة الأرستقراطية؟, ولماذا كان بعضهم يمرض ويموت في سن صغيرة؟!
لقد تمنى الناس أن يعيش "ماو تسي تونج" عشرة آلاف عام, وكان كل فرد -تقريباً- في مصر القديمة يحض الآلهة على أن تجعل الفرعون "يعيش إلى الأبد", ولكن كل ذلك فشل!!.
قد يرد مروج الجذب, بأن خلودهم هو ضد قوانين الطبيعة, الذي يعد قانون الجذب أحداها, ولكن ماذا عن شفاء الملوك من الأمراض؟! وإذا كان قانون الجذب يستطيع أن يعطي كل منا سيارة فارهة كما في أحد أمثلة الكتاب, ألن يكون ذلك ضد قوانين الطبيعة أيضا؟! فمن سيصنع لنا كل هذه السيارات الفارهة في هذا العمر القصير؟ فتلك السيارات تستهلك الكثير من الموارد والوقت والجهد لصنعها أكثر مما تحتمله الطبيعة وموارد البشرية.
وقد يستمر الجدال كثيرا إذا سرنا على هذا المنوال, فلن يعجزوا عن إيجاد ثغرات في هذه الأمثلة البسيطة. ولكن لحسن حظنا, فنحن نستطيع تعيين تجربة معيارية محكمة يمكن لكل شخص تجربتها.
وتقضي التجربة بإحضار 6 أحجار نرد (زهرة), ويمكنك حينها أن ترينا الفرق بين احتمالات أن يكون ناتج رميهم الرقم ستة للست أحجار عندما تستخدم قانون الجذب لتتمنى أن يكون الناتج هكذا, وبين نسبة الاحتمال عندما تتمنى بأن يكون الرقم الناتج هو خمسة للست أحجار
عندها لن يصمد قانون الجذب أمام قوة برهان قوانين الاحتمالات.

**
يبدأ الكتاب بتشويقنا للسر الذي سيغير حياتنا والذي طالما عرفه عظماء التاريخ وطبقوه, بل وكتبوا عنه في رواياتهمومن هؤلاء العظماء ذكرت المؤلفة: أفلاطون, شكسبير, نيوتن, فيكتور هيوجو, بيتهوفن, لينكولن, إيمرسون, إديسون, أينشتاين..والشيء الوحيد المشترك بين هذه الأسماء كلها, هو أنهم غير موجودون الآن في عالمنا ليردوا على ما تنسبه إليهم من إدعاءات!.
ولقد قامت بتحوير كل شيء ليتناسب مع نظريتها, فمثلاً يقول اللوح الزمرد حوالي عام 3000 قبل الميلاد:
ليكن المظهر كالجوهر.وليكن الظاهر كالباطن. وبدلاً من أن تكون حكمة تدعوا لعدم الكذب, حولتها لاكتشاف الأقدمين للسر, وأنك إذا ما فكرت في داخلك في شيء وركزت عليه, فسيتقدم إليك, ويصبح جزء من مظهرك. يا للهول!!.كما أنها تورد اقتباسات علمية, لا علاقة لها بالموضوع أصلا, كدليل على صحة نظريتها. فهي مثلاً اقتبست اقتباس عن أن ميكانيكا الكم جعلتنا نعرف أن عقلنا هو مصدر تفكيرنا أي أن التفكير ماديوما كان منها إلا أن ذكرت بعدها أن العلم يقر بأن عقلنا يرسل ويستقبل ذبذبات كونية عالية التردد تماماً كمحطة البث التليفزيوني, وعندما تفكر بإيجابية يرسل عقلك ذبذبات إيجابية, يستقبلها الكون ويرد عليك بمثلها بذبذبات إيجابية ويحقق لك ما تريد!!وإدّعائها هذا, مثله مثل الكثير من الإدعاءات الأخرى التي يلزمها أن تدلل عليها, فالبشر حتى الآن لا يستقبلون من الذبذبات سوى مقدار بسيط يقع ضمن ما نسميه الطيف المرئي, عن طريق العين, وعند زيادة تردد الذبذبات عن هذا النطاق المرئي فهو يؤذي البشر, فمثلاً الأشعة الفوق بنفسجية والتي تحمينا منها طبقة الأوزون, والتي تعد أكثر قليلاً في التردد عن أشعة الطيف المرئي تصيب البشر بالسرطان, وإذا كانت الترددات التي تدّعي أننا نستقبلها أعلى من النطاقات التي نستطيع تتبعها بالمراصد, فهذا جهل بالطبيعة التي تدعون أنها تمنحنا قانون الجذب, فالترددات العالية بتلك الطريقة تمتلك طاقة كبيرة يمكنها أن تبخّر البشر في لحظات عندما تقترب منّا, تماماً كما الأثر الذي يحدثه مدفع الليزر في أفلام الخيال العلمي, أو "الكا مي ها مي ها" في أنيمي دراجون بول.
ثم تقتبس, من زملاؤها في مجال -ولا مؤاخذة- التنمية البشرية والجدير بالذكر أن أحدهم وهو متخصص في علم "ما وراء الطبيعة" يدّعي أن قانون الجذب هو قانون حقيقي مثل قانون الجاذبية. ولكن إذا كان مثل الجاذبية فيجب أن يعطينا نفس النتائج دائماً إذا قمنا بنفس المدخلات, فهل يستطيع قانون الجذب تحقيق هذا الشرط في التجربة التي ذكرتها سابقا؟ لا أظن ذلك.
وتتابع الكاتبة بالكثير من تحوير الحجج, يستطيع أي ناقد جيد أن يتبين فسادها بسهولة.
هذا بجانب الكثير والكثير من المغالطات العلمية الأخرى عن مجالات بسيطة درسها الجميع تقريباً في كل أنحاء الكوكب في المراحل الأساسية من تعليمهم, وهذا يوضح مستوى ثقافة الكُتَّاب, وقراءهم, فمثلاً:- الغرائز عندهم أجهزة استقبال كونية بدلاً من كونها بقايا تطورية,- وبالأفكار يمكنك زيادة أو نقصان نشاط هرمونات الغدة الدرقية, والتحكم في التمثيل الغذائي.- الطعام ليس مسئولاً عن زيادة الوزن.- الزمن مجرد وهم زي ما قال اينشتاين, فلا تسألني متى سيحقق السر أحلامك.
ولن يكتمل الكتاب طبعا دون أن تروي لنا عبر الفصول المختلفة الكثير من القصص والمعجزات التي حققها السر, والتي لا تزيد في مصداقيتها بالنسبة لي, عن قصة الرجل الذي شل لسانه عندما هم ليدعي على السيسي كما روى أحد الشيوخ المصريين من على منبر أحد الجوامع مؤخراً. وهذا ملخص قصص تم سردها كحوادث حقيقية حصلت لأناس طبقوا السر:- السر هيساعدك تلاقي مكان لركن سيارتك, بنسبة 95% يكون المكان فارغ, و 5% يكون هناك من يفسح المكان للذهاب.- أي حجر مرمي في الشارع, لو دعيت له هيشفي ابنك اللي بيحتضر من مرض نادر.- السر هيخليك تقابل الناس اللي مستحيل تقدر تقابلهم في الظروف العادية.- السر سيعطيك نسخة من اسطوانة فيلم السر هدية.- السر يقدر أن يرفع راتبك السنوي من 8000 دولار لـ100000 حتى لو انت مبتعرفش تشتغل أي حاجة.
***
وأخيرا لماذا يصدق الناس الخرافات بهذه الطريقة؟؟ لقد بدأ المحتوى كفيلم سينمائي, ثم بيع كشريط, ثم ككتاب, وفي كل المراحل باع ملايين النسخ!!.
ربما لأنهم لم يتعلموا التفكير النقدي والذي يستطيع أن ينغص عليهم إيمانهم بتلك الترهاتوقد نكون قد وضعنا العربة قبل الحصان في العلّة السابقة, فلربما أن الناس يبتعدون عن المنطق ويحتقرونه, حتى يستطيعوا أن يصدقوا مطمئنين الكذبات المريحة. ولهذا فالشرط الثاني من شروط تطبيق السر ليعمل, هو أن تؤمن بالسر تماماً,
"إيماناً لا يتزحزح, آمن بالغيب."وبلفظ كارل ساجان:
"فالدجلنة تخاطب الحاجات العاطفية القوية التي غالباً ما يدعها العلم دون إشباع,وفي صميم بعض أنماط الدجلنة تكمن فكرة أن تمنى الشيء يحققه, فكم يكون مقدار ما يمكن أن نشعر به من الرضى, إذا حققنا الرغبات التي نتمناها من صميم فؤادنا بمجرد التمني, يا لها من فكرة تغوي النفوس, خاصة إذا ما قورنت بالعمل الشاق وحسن الحظ الذي نحتاج إليه عادة كي نحقق آمالنا." هناك الكثير من الدجلنة التي لا يسعنا المقام هنا لمناقشتها كلها, ولكني سأحيلكم لكتاب عالم تسكنه الشياطين الذي اقتبست منه العبارة السابقة, وهو يعالج فيها الدجلنة بتفاصيل أكثر.أظنه سيساعدكم على تبين الدجل في المرة القادمة التي تتعرضون له فيهاودا لينك لريفيو رغم إنه طويل, لكنه يلخص الكثير من محتويات الكتاب: https://www.goodreads.com/review/show...***
لقد كنت أعتقد بأني لا أهتم بأحوال البشر, ولكني عندما قرأت الكتاب تأذيت نفسياً وبشدة. ولقد أرعبني الجهل والدجل المنتشر, ولم أستطع سوى أن أكمل نصف الكتاب فقط!!.
***تحديث:الحلقة الـ2 من الجزء الـ21 من مسلسل عائلة سيمبسون سفّت على الكتاب, لو حد فاضي عنده ثلث ساعة يضحك فيهم شوية.